الأحد، 30 يناير 2011

الترجمة الما بعد استعمارية : نظرية و تطبيق / الجزء الثالث

مقدمة عن المستعمرات و أكلة لحوم البشر و اللغات المحلية
الجزء الثالث
سوزان باسنيت و هاريش ترايفيدي
ترجمة كاظم العلي

تعنى المساهمات في هذا الكتاب بطرق مختلفة بنظرية الترجمة و ممارستها في سياق ما بعد استعماري. تقترح ماريا تايموزكو Maria Tymoczko   في فصلها الموسوم " الكتابة ما بعد الاستعمارية و الترجمة الأدبية" [1] أن هناك تشابهات قوية بين هذين النوعين من الإنتاج النصي.فكلا النوعين يهتمان بنقل العناصر من ثقافة لأخرى، و كلاهما يتأثر بعملية النقل ، و من هنا فإنه ليس من المدهش أن العديد من الكتاب الما بعد استعماريين اختاروا استعمال المصطلح "ترجمة" بصورة مجازية. و تركز تايموزكو على الطريقة التي اختار بها كتاب أفارقة مثل نغوغاي وا ثيونغو   Ngaugai   wa Thiong’o  [2] بوعي استيراد مفردات افريقية في  كتاباتهم و الذي يشكل تنويعات في اللغة القياسية و يضيء تنوع النص.و توضح أننا عادة ما نقوم في دراسات الترجمة بعمل  تمييز بين سحب الجمهور إلى النص أو سحب النص إلى الجمهور ، و تجادل أن نفس التمييز ينطبق على الكتابة الما بعد استعمارية.فعن طريق تغريب  defamiliarization  اللغة يستطيع الكتاب الما بعد استعماريين وضع القراء وجها لوجه مع واقعية الاختلاف و يساءلوا سيادة اللغة القياسية.
و بصورة مماثلة يتناول جي جي في براساد حال الرواية الهندية الإنكليزية مبتدئا بوجهات نظر الروائي راجا راو Raja Rao  [3] الذي يرى فعل الكتابة نضالا من أجل  فضاء يخلقه تحويل النص الهندي و السياق و اللغة الإنكليزية. و يوضح أن الكتاب الهنود الذين يكتبون بالإنكليزية لا يترجمون كثيرا النصوص باللغة الهندية بل يستعملون إستراتيجيات لجعل أعمالهم تبدو كترجمات. و تجعل هذه "التكثيفية" أو التغريبية الواعية للإنكليزية فعل القراءة أكثر صعوبة ، لكنها تبين بوضوح حق الكتاب الهنود لترجمة اللغة لأغراضهم الخاصة. و تنتج شبكة معقدة من الترجمات، و يتم افتتاح فضاء جديد تصبح فيه التعددية اللغوية عرفاً.
تجادل شيري سايمون في فصلها الموسوم "الترجمة و الخلق اللغوي الضمني في منطقة الاتصال: الكتابة الحدودية في الكيبيك" أن التعددية اللغوية تفضي إلى  تفتيت الضدية الثنائية بين الأصل و الترجمة. و بإتباعها خطى ماري لويز برات Mary Louise Pratt   [4]  تستعمل سايمون مفهوم "منطقة الاتصال"   contact zone ، أي المكان الذي تلتقي فيه الثقافات المنفصلة سابقا.و منطقة الاتصال الذي هو تقليديا المكان الذي التقت فيه الثقافات على أسس غير متكافئة هو الآن فضاء يعيد تعريف نفسه ، و هو فضاء للتعددية و التبادل و إعادة التفاوض و  الانقطاعات .و تنظر سايمون في أعمال ثلاثة كتاب من الكيبيك هم جاك برولت  Jacque Brault    و نيكول بروسارد Nicole Brossard  و دانييل غاغنون    Daniel Gagnon  موضحة كيف يلعب هؤلاء الكتاب بعلاقات اللغة بطرق مبتكرة إلى حد كبير.و عمل هؤلاء الكتاب، مثلما تزعم، عملا تحريضيا بصورة مقصودة وواعية و يمحو حدود الهوية الثقافية و الكتابة ضد تراث ثقافي كان مثلما تصفه " متشككا بصورة عميقة عن عمل الترجمة ". و توضح سايمون أيضا أن العديد من الكتاب ، من جيمس جويس             [5] James Joyce و صامويل بيكيت     Samuel            [6]  Beckettإلى سلمان رشدي و ديريك والكوت Derek Walcott   [7] ، يزعمون أنهم " لا يشعرون في بيوتهم " أبدا في أية لغة.و لا تقدم الثقافة و لا اللغة في عالم اليوم نفسيهما على أنهما قوتين موحدتين ، مشتركتين بعالم من الإشارات. و توحي سايمون أن الفهم المعاصر للترجمة بوصفها واقعا و مثلا أعلى له صلة كبيرة بالانقطاع و الاحتكاك و التعددية.
و يتبنى اندريه لوفيفر خطوطا مشابهة من الجدال في فصـــله [8]  الذي يفــترض فــيه مفــهوم " شبكة مفاهيمية  conceptual grid " و " شبكة نصية textual grid " يشكلان الأساس لجميع أنواع الكتابة. و ينهل هذان المفهومان ، اللذان يراهما لوفيفر على انهما مترابطان بصورة غير قابلة للانفصام ، من التقاليد الثقافية و الأدبية لزمن معين.فالملحمة على سبيل المثال و التي كانت في يوم ما الشكل الأدبي العظيم للثقافات الأوربية توقفت فعليا عن الوجود و أصبحت غريبة و بعيدة بالنسبة للقراء المعاصرين. و يتوجب على أي مترجم يرغب بترجمة ملحمة ، على هذا الأساس ، أن يتعامل مع حقيقة ان هذا الشكل غريب على القراء حتى و إن كانوا على وعي بمغزاه التاريخي.  و بالضد من ذلك، فشكل كشكل القصيدة العربية الذي ليس له سابقة في الآداب الغربية قد يمنع مقاومة القارئ بصورة فعالة ترجمته كلية. و يجادل لوفيفر أن المترجمين يحتاجون إلى أن يحفظوا في أذهانهم  مجموعة مزدوجة من الشبكات المفاهيمية و النصية ، في أنظمة الأصل و الهدف، لكنه يوضح أيضا ان الثقافات الغربية "تترجم" الثقافات غير الغربية إلى أصناف غربية فارضة شبكاتها الخاصة . و لتجسيد نقاشه، يتأمل في ثلاثة نصوص هولندية مكتوبة بين 1740 و 1820 تشكل فكرة عن الهند الهولندية (التي تعرف بإندونيسيا الآن) للقراء الهولنديين خصوصا. و هذه النصوص هي نصوص أنتجت في سياق استعماري ، للاستهلاك المحلي، و يبين لوفيفر كيف استعمل الكتاب الثلاثة ، بطرق مختلفة، أشكالا تعزز وجهات نظرهم للمشروع الاستعماري الهولندي.
و تنقلنا أيلس فييرا من ملاحم الاستعمارية إلى المشروع الوحوشي للقرن العشرين في فصلها عن المترجم البرازيلي هارولدو دو كامبوس . تنبه فييرا إلى غزارة المجازات التي استعملها كامبوس ليعرف ما يدركه على انه نوع جديد من الترجمة الما بعد استعمارية : " الترجمة بتصرف  transcreation " ، و " النقل الشيطاني     transluciferation"، و "النقل التنويري transilumination  "  و " النقل النصي            transtextualization  " ، بل و "إعادة التوزيع الشعري poetic reorchestration  " و " إعادة التخيل reimagination  " المهمة بصورة عميقة. إن ممارسة دو كامبوس الترجمية ، المتطرفة مثل نظريته، تنبع من النية المقصودة لتعريف شعرية ترجمية ما بعد استعمارية. فالترجمة، مثلما يقول دو كامبوس، شكل من أشكال قتل الأب ، أي رفض مقصود لتكرار ما تم تقديمه مسبقا على انه الأصل. و تنظر فييرا في أهمية مجاز الوحوشية في برازيل القرن العشرين كانفصال عن الحقيقة المونولوجية (الاستعمارية ) و شكل من أشكال التغذية.فالترجمة ، كما تزعم ، تقطع التدفقات الخطية و هرميات القوة و تزعزع مركزية اللوغوس logocentrism  .
و القوة المزعزعة للترجمة هي أيضا موضوع فصل فني ضاروادكر حول نظرية الترجمة  و ممارستها لدى أي كي رامانوجان إذ يتفحص ضاروادكر عمل المترجم الهندي العظيم مبينا كيف عبر رامانوجان عن فكرة أن واجب المترجم هي أن "يترجم" القارئ الأجنبي إلى قارئ محلي ، و يجادل ان عمل ضاروادكر يبين بفعالية المركزية الأوربية لنظريات فالتر بنجامين Walter Benjamin [9] و جاك دريدا  Derrida    [10] عن الترجمة من خلال تقديم شعرية ترجمية هندية بديلة.و يدافع في الجزء الثاني من فصله عن رامانوجان ضد منتقديه قاصدا أن يبين أنه لم يكن مترجما استعماريا كما تم الإيحاء بذلك.
إن الحالة المضادة للنماذج الأوربية هي أيضا فكرة فصل روزماري اروجو Rosemary Arrojo [11] حول نسخ هيلين شيشو Helen Cixous   لعمل كلاريس لسبيكتر   [12] Clarice Lispector . و على الرغم من إدراك أن لدى شيشو عاطفة حقيقية إزاء كتابة لسبيكتر ، تجادل اروجو ان شيشو تستعمل هذا كوسيلة لمواءمة عمل لسبيكتر لخدمة أهدافها. لقد أُدرِكَ اكتشاف شيشو للسبيكتر ، مثلما هي توضح ، على انه قلب للمواجهات الاستعمارية الأبوية التقليدية إذ تعبد كاتبة أوربية عمل أمرآة من قارة مستعمرة.غير إن اروجو تقترح ان نتيجة هذه العلاقة هي مجرد تعزيز للنموذج الاستعماري ، حيث تكون شيشو  في الموقع المهيمن متجاهلة  و مهينة بل و مدمرة  بقصد  أفكار لسبيكتر الشخصية. جوهريا ، فإن اروجو تؤمن أن  شيشو لا تقوم بأكثر من تكرار نموذج الأبوية الذكورية القمعية التي تزعم معارضتها.
و تتعاون فانمالا فسوانثا و شيري سايمون ، اللتان بدأتا من مواقع مختلفة جدا، في فصل معنون بتميز "تغيير محلات التبادل" ، و توضحان أن الترجمة في بلديهما ، الهند و كندا، مؤشر حساس على  التوتر الثقافي على نحو خاص. و توحي الكاتبتان أن الممارسة الترجمية مؤسسة ضمن مجموعة من الافتراضات حول الطرق التي تحمل بها الأشكال اللغوية المعاني الثقافية – و باختصار ، في نظرية ضمنية للثقافة.  إن المنظور الما بعد استعماري يؤكد العلاقات غير المنتظمة بين الثقافات التي يمكن رؤيتها أيضا في ترجمة النصوص الأدبية.
إن فهم تعقيدات النقل النصي عبر الترجمة له أهمية خاصة في زمننا الحاضر لأن التعددية اللغوية، و التفاعلات الثقافية التي تنطوي عليها، هي العرف بالنسبة للملايين في العالم. و اللغات الأوربية ، التي كانت تُدرك على انها لغات متفوقة لأنها كانت لغات الأسياد الاستعماريين، تتفاعل الآن مع مئات اللغات التي كانت مهمشة سابقا أو مُتجاهَلة كلية.لقد كانت الترجمة في صميم اللقاء الاستعماري ، و استعملت في جميع أنواع الطرق لتأسيس و نشر فوقية بعض الثقافات على ثقافات أخرى. لكن الآن، حيث الوعي المتزايد بعلاقات القوة غير المتساوية الموجودة في نقل النصوص عبر الثقافات، فإننا في موقع لإعادة التفكير بكل من تاريخ الترجمة و ممارستها المعاصرة. و الوحوشية ، التي كانت ذات يوم المحرم المطلق للمسيحيين الأوربيين، يمكن الآن أن توضع ضمن منظورها الصحيح، ووجهة نظر ممارسي الوحوشية يمكن وضعها من خلال وسط الترجمة.






[1] Maria Tymoczko “Post-Colonial Writing and Literary Translation”, pp. 19-41.
[2]  ولد الروائي الكيني نغوغاي وا ثيونغو في 5 كانون الثاني 1938 في مدينة لمورو ، و تلقى تعليمه في أوغندا و انكلترا .كتب روايته الأولى " لا تنحب يا طفل  Weep Not, Child " في 1964 و هي قصة عائلة تتورط في النضال من أجل استقلال كينيا. أما رواياته الأخرى فهي " حبة قمح  Grain of Wheat “ الصادرة في  1967 و التي ترجمها للعربية سلمان العقيدي عام 1987 و رواية " تويجات الدم  " الصادرة في 1977 و التي ترجمها للعربية سعدي يوسف عام 1982  و  رواية "ساحر الغراب Wizard of the Crow  " الصادرة في 2004. و لقد كان وعي وا ثيونغو بحجم المعاناة الأفريقية حاضراً منذ فترة مبكرة إذ أعلن في مؤتمر كنسي لدول شرقي أفريقيا عقد في آذار 1970 بنيروبي عن تخليه عن المسيحية و عن أسمه المسيحي "جيمس" و قيامه بالتخلي عن الكتابة بلغة المستعمر الإنكليزية.
[3]   راجا راو ( 8 تشرين الثاني 1908 – 8 تموز 2006) روائي و قاص هندي يكتب بالإنكليزية أعماله متجذرة في الهندوسية ، و روايته الشبه ذاتية  " الأفعى و الحبل   " الصادرة في 1960 تمثل البحث عن الصدق الروحي في أوربا و الهند. و قد أسست هذه الرواية شهرة راو بوصفه أفضل الأسلوبيين الهنود.
[4]  ماري لويز برات أستاذة اللغتين الأسبانية و البرتغالية و أدبهما بجامعة نيويورك. حصلت على البكالوريوس في اللغات و الأدب الحديث في 1970 من جامعة تورنتو، و الماجستير في علم اللغة في 1971 من جامعة الينويز ، و الدكتوراه في الأدب المقارن في 1975 من جامعة ستانفورد.قدمت برات إسهامة مهمة في كتابها الأول " نحو نظرية فعل كلامي للخطاب الأدبي" للنظرية النقدية بتبيانها أن أساس الحكاية الأدبية المكتوبة يمكن رؤيته في بنية الحكاية الشفاهية. و في هذا الكتاب تستخدم برات منجز عالم اللغة الاجتماعي وليم ليبوف لتبين أن جميع الحكايات تحوي على بنى شائعة يمكن أن توجد في الحكايات الأدبية و الشفاهية.و في نتاجها البحثي الأخير تدرس برات ما تسميه "مناطق الاتصال" . و منطقة الاتصال ، بالنسبة لبرات، هي الفضاء الذي تتواصل فيه شعوب منفصلة عن بعضها الآخر جغرافيا و تاريخيا و تؤسس فيه العلاقات التي تشتمل في العادة على العقاب و الظلم العنصري و الصراع الذي لا يمكن السيطرة عليه.
[5]  جيمس جويس ( 2 شباط 1882 – 13 كانون الثاني 1941) روائي و شاعر ايرلندي ، يعتبر من أكثر الكتاب تأثيراً في الحركة الطليعية الحداثوية في القرن العشرين . و يعرف جويس بأفضل شكل بروايته "عوليس" (1922) التي ترجمها للعربية طه محمود طه و هي علامة مميزة في الفن الروائي أكمل فيها تقنيته في تيار الوعي ، و مجموعته القصصية " أهل دبلن"  (1914)، و روايته " صورة الفنان في شبابه" (1916) و التي ترجمها ماهر البطوطي في ( 1986 ) و رواية "يقظة فنيغان" (1939).
[6]  صامويل بيكيت (13 نيسان 1906 – 22 تشرين الثاني 1989) كاتب و مسرحي و شاعر طليعي يكتب بالإنكليزية و الفرنسية . يقدم عمل بيكيت رؤية سوداوية عن الثقافة الإنسانية . و بوصفه طالب و مساعد و صديق لجيمس جويس ، يعتبر بيكيت واحداً من آخر الحداثويين و ملهماً للعديد من الكتاب الذين لحقوه ، و اعتبره مارتن اسلن واحداً من الكتاب الرئيسيين في ما أسماه مسرح العبث.حاز بيكيت على جائزة نول للآداب في عام 1969، و من أعماله المسرحية البارزة  " بانتظار غودو " (1953) و "شريط كراب الأخير" (1958) و " الأيام السعيدة" (1960).
[7]  ديريك والكوت ( 23 كانون الثاني 1930) شاعر و مسرحي و فنان تشكيلي ، منح جائزة نوبل للآداب في 1992 و جائزة تي أس اليوت عن قصيدته "طيور البلشون البيضاء"، و تشتمل أعماله على الملحمة الهوميروسية "أوميروس".
[8] André Lefevere “Composing the Other”, pp. 75-95.
[9]   فالتر بنجامين ( 15 تموز 1892 – 27 أيلول 1940) ناقد أدبي و فيلسوف و عالم اجتماعي و مترجم و مذيع و مقالاتي يهودي ألماني.  قدم عمله الذي يمزج بين عناصر المادية التاريخية و المثالية الألمانية و الصوفية اليهودية اسهامة مؤثرة للنظرية الجمالية و الماركسية الغربية . يستشهد بأعمال بنجامين كثيرا في الأوساط الأكاديمية و الأدبية و خصوصا مقالتيه "واجب المترجم" (1923) و " الفن في عصر الإنتاج الميكانيكي" (1936).
[10]  جاك دريدا (15 تموز 1930 – 8 تشرين الأول 2004) فيلسوف يهودي فرنسي ولد في الجزائر أيام الاحتلال الفرنسي. طور التقنية النقدية المعروفة بالتفكيك ، أرتبط عمله بما بعد البنيوية و الفلسفة ما بعد الحداثوية، و لكتبه المنشورة التي تبلغ أكثر من أربعين كتابا و مقالاته و المحاضرات العامة تأثير جوهري في حقل الإنسانيات، و خصوصاً النظرية الأدبية و الفلسفة القارية (الأوربية) . و من أشهر تأكيداته بخصوص منهجيته هو " ليس هناك ما هو خارج النص".
[11] Rosemary Arrojo “Interpretation as Possessive Love: Helen Cixous, Clarice Lispector and the Ambivalence of Fidelity”, pp. 141-161.
[12]   كلاريس لسبيكتر (10 تشرين الثاني 1920 – 9 تشرين الثاني 1977) كاتبة و صحفية برازيلية ، اشتهرت عالميا برواياتها و قصصها القصيرة التجديدية، ولدت في عائلة يهودية في الجزء الغربي من أوكرانيا ، و انتقلت للبرازيل و هي طفلة بسبب المآسي التي مرت بها بلادها عقب الحر العالمية الأولى. و بينما كانت تدرس الحقوق في ريو دي جانيرو ، بدأت بنشر أعمالها الصحفية الأولى و قصصها القصيرة . اشتهرت لسبيكتر و هي في الثالثة و العشرين بنشر روايتها الأولى "قريبا من القلب القاسي" التي كتبت كحوار داخلي بأسلوب و لغة اعتبرت ثورية في البرازيل.

السبت، 29 يناير 2011

الترجمة الما بعد استعمارية : نظرية و تطبيق/الجزء الثاني

الترجمة الما بعد استعمارية : نظرية و تطبيق
مقدمة
عن المستعمرات و أكلة لحوم البشر و اللغات العامية
سوزان باسنيت و هاريش ترايفيدي
ترجمة كاظم العلي 
الجــــــــزء الثـــــــــــــــاني  [1]

 عنــدما تــرجم الســير  وليــم جــونز    Sir William Jones    [2] (1746-96) المسرحية السنسكريتية الرومانتية الموسومة      abhijnanashakuntalam    إلى الإنكليزية بعنوان   Sacontala   أو "الحلقة المميتة : مأساة هندية" (1789) فإن الاختلاف الرئيس الذي قام به عن الأصل هو التوقف عن جعل البطلة الرقيقة المحرومة من الحب تتعرق بين كل حين.و جونز الذي عاش في كلكتا و عمل قاضيا بالمحكمة العليا منذ 1783 لم يستطع إلا أن يلحظ أن الطقس هناك كان أكثر دفئا و مع ذلك فقد شعر بالاضطرار إلى تخفيف هذه الوظيفة الجسدية الجوهرية لمصلحة المفهوم الغربي عن الجمال. و لم يكن جونز يعلم ، حيث لم  تزل كاما سوترا Kama Sutra   [3] غير مكتشفة و لا مترجمة، أن التعرق معروف تقليديا و مقدر في الهند على انه أيضا علامة مرئية عن الاهتمام و التهيج الجنسيين (على الضد من انكلترا حيث يتعرق المرء  عندما يكون حاراً أو مريضا أو خائفا أو عاملا بجد  Collins, 1987:1477 ) . علاوة على انه لم يستنجد بالتعبير  الملطف الذي ربما يكون قد اخترع في زمن لاحق نوعا ما و هو "بينما تتعرق الخيول و الرجال  فإن النساء يتوهجن   While horses sweat and men perspire, women glow " . على أي حال، فإن هذا التصرف المحتشم النابع عن الرقابة الفكتورية يشير بدقة إلى الأغراء الترجمي الشائع بمحو الكثير مما هو مخصص ثقافيا و لتعقيم الكثير مما هو بغيض الرائحة نسبيا  [4].
لقد كان السير وليم جونز معروف عالميا بالتأكيد إلى وقت قريب على انه "جونز الشرقي Oriental Jones  "  (Cannon 1964)   ببراءة بل و توقير ما قبل مجيء ادوارد سعيد [5].و كان من رواد ترجمة النصوص الهندية ( و تحديدا السنسكريتية) و أيضا العربية و الفارسية إلى الإنكليزية، و ساعد في أحداث وعي جديد بالأدب الشرقي الذي سبب في البدء إثارة عظيمة بين بعض أفضل و أكثر العقول الأوربية إبداعا في ذلك العصر بحيث انه عجل بما هو ليس بأقل من "نهضة شرقية" – أو كما بدا في حينه   (Schwab , 1984: 4-8)   .و مما تجدر الإشارة له هنا هو حركة المرور في الترجمة الآن، مثلما عليه الحال لبعض العقود اللاحقة، بين الشرق و الغرب ظلت  بلا تردد أحادية الاتجاه : من الشرق إلى الغرب. مع ذلك، فإنه خلال التاسع عشر ووصولا إلى القرن العشرين ، حتى مع انطلاق الدفق المنتظم للترجمات من الإنكليزية إلى اللغات الهندية ، استمرت العديد من الأعمال من السنسكريتية تترجم إلى اللغات الهندية الحديثة  بنفس عدد تلك المترجمة عن الإنكليزية  تقريبا ، و غالبا عن طريق المترجمين الهنود ذوي اللغات و الوجوه المتعددة.
و خلال هذه الحقبة، كان الفضاء الأدبي الهندي منطقة خلاف فاعل، و تعروه رغبة للاستقبال التواق للأنماط الأدبية الغربية الجديدة يصاحبه ميل لمقاومة مثل هذا التأثير و غالبا عن طريق تأكيد الأشكال المحلية الأقدم من الكتابة الهندية. و على أية حال، ففي النهاية فسح  انبعاث التقاليد المحلية الطريق لسيطرة الثقافة الأدبية الغربية حتى مع ازدياد تخندق السيطرة الاستعمارية البريطانية في كل مكان.و كمثال متميز على المناخ الأدبي الجديد هو فورة ترجمات رباعيات عمر الخيام [6]  إلى الهندية بين العشرينات و الثلاثينات من القرن العشرين التي ربما بلغت اثنا عشرة ترجمة. و كانت هذه بالطبع ترجمات لترجمة، و في الواقع  مثال على الاستشراق مترجما، بل و ربما إيذان  ، كما يقال ، بالإمبراطورية و هي تعيد الترجمة. لقد كان بعض هذه الترجمات عبارة عن ترجمات هندية بتصرف و تعديل شديد ، و اثنان منهما ترجمتا عن الفارسية مباشرة، و هي لغة النخبة في الهند لعدة قرون قبل أن تستبدلها الإنكليزية في ظل اتفاقية مكاولي – بنتنك  Macualay-Bentinck Diktat من 1835  فصاعدا و التي لا يزال العديد من المثقفين الهنود مفوهين بها بصورة جيدة بعد قرن من الزمان.و هكذا، فبينما أكدت الترجمات المتعددة لترجمات ادوارد فتزجيرالد لرباعيات عمر الخيام إلى الهندية حالة الاعتماد الاستعماري الذي توصل  فيه الهنود للأدب الفارسي عن طريق الإنكليزية، يمكن النظر للترجمات التي تم القيام بها من الفارسية مباشرة في الوقت عينه على انه فعل مقاومة ثابت للتدخل الإنكليزي. و في كل الأحوال، فإن انجح ترجمة من بين جميع هذه التراجم (أو النسخ الجديدة و الملهمة)  و هي الــــ  Madhushala  ( أي بيت الخمر، The House of Wine   1935) التي قام بها أكثر الشعراء الرومناتيين شعبية باللغة الهندية في هذا القرن هاريفانشا راي بيتشن      Harivansha Rai Bachchan (1907 -) عبارة  عن عمل توفيقي كبير للرباعيات يتلاءم مع السياق الثقافي المحلي بل و مع السياق الموضوعي الوطني(Trivedi,    1995:29-52)    . و هكذا، إذا ما احتاج الشعراء الفرس كالخيام و العطار [7]  إلى "قليل من الفن" يزودهم به ادوارد فتزجيرالد لكي يمكن ان يصبحوا مقبولين في الإنكليزية فإن فتزجيرالد بدوره يحتاج إلى أن يعدل بصورة شاملة نسبيا بل إلى أن يُهّدَم قبل أن يمكن ان يحول إلى شعر هندي ناجح.
و إذا ما كانت الترجمة التي قام بها بيتشن ترجمة ، فإنها ترجمة بوصفها إعادة كتابة، مثلما اسماها اندريه لوفيفر  Andre Lefevere [8] ، أو ترجمة "ككتابة جديدة" مثلما اسماها سوجت موكرجي Sujit Mukherjee    في السياق الأدبي الهندي  (Mukherjee, 1994:77-85 )  . في الهند ، التي تملك تاريخا طويلا من التأليف و النقل الشفاهي  و خلال المرحلة المبكرة و المهيمنة من البهاكتي  bhakti  أو الشعر العذري في جميع لغاتها الحديثة حيث يستسلم الشاعر لــــ و يسعى إلى إدماج هويته الفردية بموضوعه المقدس ، فإن التمييز بين مؤلفي الشعر المختلفين ضمن التراث نفسه أو بين مؤلف أصلي و مترجم لم يكن مطلقا بنصف نفس التمييز  كما كان الأمر في الغرب.حقا، يمكن النظر إلى  مناشدة غياتري جاكرافورتي سبيفاكGayatri Chakravorty Spivak   [9] الرقيقة من دون تمييز بوجوب تبني المترجم منهج "الحب" و "الاستسلام" تجاه الأصل مثلما تزعم بالقيام به عندما ترجمت بعض الشعر العاطفي عن البنغالية  علاوة على ترجمتها للروائية المعاصرة موهاشيشيتا  ديـبي     Mahasweta Devi على إنها مواظبة أثرية لهذه الممارسات الهندية التقليدية  (Spivak, 1993:180-1)  . و وثيق الصلة بهذا الخصوص أن طباعة الكتب في الهند لم تبدأ على نحو بارز إلا في نهاية القرن الثامن عشر حيث صمم و أطلق جالز ولكنز Charles Wilkins  ، و هو من أوائل المستشرقين و المترجمين عن السنسكريتية، أول خط للأشكال البنغالية و أسس في 1778 بكلكتا مطبعة احتضنتها شركة الهند الشرقية بكرم (Brockington, 1989: 96)  ، و هكذا فإن المطبوعات الهندية يمكن أن يقال أنها تألفت فعليا من كتب نشرت في  1801. لقد كان بروز رأس المال في الطباعة في الهند على هذا النحو ظاهرة استعمارية حديثة ، مثلما هي عليه ولادة "المؤلف" الفردي صاحب حقوق الطباعة، المؤلف الذي أصبح "موته" و "وظيفته" مثارا للجدل في الغرب مؤخرا عند رولان بارت   Roland Barthes [10]  و ميشيل فوكو  Michel Foucault   [11]. و لم تعد إعادة كتابة مؤلف كهذا تتم ببساطة و صمت، فهو يجب ان يترجم بدقة  بل و إخلاص.
أن مفردة ترجمة بالسنسكريتية، و التي استمرت بالبقاء من دون تغيير في معظم اللغات الهندية الحديثة هي آنوفاد anuvad  و تعني أصلاً و أساساً "القول بعد أو مرة ثانية ، التكرار عن طريق التفسير ، الإعادة التفسيرية أو التكرار ببرهان إضافي أو بالصور التوضيحية، أو الإشارة التفسيرية لأي شيء قيل مسبقاً(Monier-Williams, 1997:38)   .( و يظهر أحد الاستخدامات  السنسكريتية المبكرة للمفردة بهذا المعنى في النص الفلسفي الموسوم  Brihadaranyaka Upnishad  في قطعة يلتقطها تي أس إليوت T. S. Eliot   [12]  لاستخدامها في المقطع الأخير من قصيدته الأرض اليباب ، فمقطع إليوت "ما قاله الرعد" هو بشكل صارم في الأصل السنسكريتي "ما ترجمه/كرره الرعد" حيث أن الإله  براجاباتي Prajapati   قد لفظ مسبقا المقطع دا DA  ) . إن المجاز الأساس في المفردة anuvad   زمني ( القول بعد، التكرار ) أكثر منه مكاني مثلما هو عليه الحال في المفردة الإنكليزية - اللاتينية - translation (النقل عبر). و هكذا كانت المحاكاة imitation  بالمعنى الكلاسي الجديدneo-classism  في الهند شكلا من أشكال الترجمة يعني تكرار شيء كتب مسبقا، و شكل المصدر للتراث الأدبي الما قبل استعماري مع الكتابين الأصليين العظيمين في الثقافة الهندية  و هما الرامايانا Ramayana  و الماهابهارتا  Mahabharata  [13] اللذين اشتغل و أعاد الاشتغال عليهما عدد غير محدود من الكتاب بالسنسكريتية نفسها علاوة على جميع اللغات الهندية الحديثة، و باختلافات متعددة من التأكيد  و الأيديولوجيا التي سدت الفراغات في الأصل من خلالها  بصورة خلاقة  و نقلت المصموتات إلى منطوقات بحرفية بل حيث حول بعض الأبطال العظماء إلى أشرار و الأشرار إلى أبطال.
و أبرز أمثلة الأدب على انه مسعى تراكمي يحاول باستمرار على جعله جديدا هي النسخ القياسية لهاتين الملحمتين العظيمتين في جميع اللغات الهندية الحديثة تقريبا.فكل من هذه النسـخ، الـتي تم القيـام بها إجمالا في وقت ما ين القرنين العاشر و السادس عشر ، مؤسسة بشكل واضح و جوهري على الأصل السنسكريتي الذي تكرره أو تعيد قصه، لكن بأصالة كافية وليست موضع جدال تجعل منها عملا إبداعيا مستقلا بذاته و من الطراز الأول.و على سبيل المثال، لا زال تولسي داس   Tulsi Das   (1532 – 1623) يعتبر من أعاظم الشعراء في الهندية  لــــ (أعادته ) كتابة الرامايانا. و هكذا كانت عبقريته الشعرية لدرجة انه يتحلى في الهندية، و ربما بدا ذلك غير قابل للتصديق، بمنزلة شكسبير و النسخة القياسية للكتاب المقدس سوية في الإنكليزية.
ولد تولسي من طائفة البراهما . و حتى عندما أخرج تولسي هذا النص الملحمي إلى "العوام" بإطلاقه من حماية و رعاية الخبراء السنسكريتيين المحتكرين له الذين كانت سخريتهم منه و مضايقتهم  له متوقعة إلا انه ظل غير عنيف كلية و نباتيا كما يأمر بذلك التراث الديني و الطائفة. و على هذا الأساس يصعب تسمية فعله النهضوي بمواءمة الرامايانا على انه مثال على الوحوشية البرازيلية، بل أشر ،على العكس من ذلك، عملية طبيعية للنمو و التجدد العضوي و المتشعب و النباتي و التي ربما تقارن بعملية إرسال شجرة التين banyan القديمة لفروعها التي تتجذر بدورها في جميع الأنحاء مشكلة عائلة مترابطة من الأشجار تسمى  :  quot rami tot arbores  . و لازال هذا التمازج التعايشي للأصل مع الترجمة و للتراث مع العبقرية الفردية حاضراً و ينظر إليه على انه تفويض لممارسة "الترجمة بتصرف"   transcreation السائدة بشكل واسع نسبيا في الهند المعاصرة (Lal 1996)  . في الحقيقة فإن هذه المفردة مثبتة في ملحق جديد للمفردات "الهندية الإنكليزية" في معجم أكسفورد للمتعلمين المتقدمين للإنكليزية المعاصرة Oxford Advanced Learner’s Dictionary of Contemporary English   (الطبعة الخامسة 1996) مع مصطلحات غريبة غير مفهومة مثل   tota     و   trishul   – غير عابئة بحقيقة أن "الترجمة بتصرف" هو مصطلح مستخدم بشكل مستقل أيضا في الشطر الآخر من العالم من قبل هارولدو دو كامبوس  Haroldo de Campos  في البرازيل ( مثلما هو مبين في فصل ايلس فييرا في هذا الكتاب).
و الفاصلة الحيوية بين الممارسة الترجمية الما قبل استعمارية القديمة في الهند (التي يضيء جي أن ديفي G. N. Devy [14] و فانامالا فسواناثا   Vanamala  Viswanatha    و شيري سايمون   [15]  جوانب مختلفة منها في هذا الكتاب) و المرحلة الما بعد استعمارية الحاضرة هي أن الترجمات  الآن من اللغات الهندية المتعددة إلى الإنكليزية ، سواء التي يقوم بها أجانب أم هنود بأنفسهم ، قد حازت على سطوة كاملة. و الحكمة الما بعد استعمارية المتشاركة بشكل واسع عن الموضوع هو أن الإمبراطورية يمكن ان تترجم عكسا إلى الإنكليزية فقط، أو إلى ذلك التنوع اللغوي الأقل منها،أي تنوع يدعى (انكليزية  English) طبقا إلى بعض  المنظرين الرواد و المؤثرين في الميدان  (Ashcroft et al, 1989:8) .و ردا على أي مزاعم مضادة بأن الأدب و خصوصا بضغط ما بعد استعماري يكتب بصورة متساوية أو بغزارة بلغات غير الإنكليزية ، و خصوصا في بلدان مثل الهند حيث لا تعرف  سوى نخبة صغيرة (تقدر بصورة متباينة بأنها تشكل ما بين 2 – 10 بالمائة من عموم السكان) اللغة الإنكليزية ، فإن الرد الغربي المتشكك و السريع هو: لكن أرونا – في ترجمة انكليزية !  (Trivedi and Mukherjee, eds, 1996:239)   . و مع ذلك ، ففي بلدان متعددة اللغات بصورة متأصلة مثل الهند لا يكتب معظم الأدب الآن باللغات المحلية فحسب بل أن أغلبية الترجمات تؤدى من لغة هندية إلى اللغات الأخرى. في 1996 ،  عندما ترجمت ماهاسويتا ديفي Mahasweta Devy   و قدمت للترجمة و نظرت لها بنفوذ ما بعد استعماري ليس أقل من نفوذ غياتري جاكرافورتي سبيفاك  حازت على أرفع جائزة أدبية هندية  هي الجنانبيثjnanpeeth   (في حفلة كان نيسلسون مانديلا ضيفا خاصا فيها)  اعترفت في خطاب قبولها الجائزة بدور الترجمة في إكسابها جمهورا أوسع بغير البنغالية التي تكتب بها و عبرت عن عرفانها لا للدور الذي قامت به سبيفاك أو أي من مترجميها الآخرين للإنكليزية بل لآرفند كومار Arvind Kumar  مدير دار الكتب الوطنية السابق بالهند والناشر بالهندية نفسه الذي سهل لسنوات عديدة ترجمة و نشر أعمالها إلى الهندية و لغات هندية أخرى.و على هذا الأساس فهناك ماهاسويتا ديفي اثنتين ، واحدة تخاطب الوقائع السياسية و الثقافية في أرضها الأم و بلغتها الأم كما تطورت هذه عبر سلسلة من الأزمان الاستعمارية و الما بعد استعمارية (بدئاً بروايتها الأولى و التي كانت إحدى بطلاتها راني لاكشمي باي  Rani Lakshmi Bai  و هي من أشجع المحاربات للبريطانيين خلال "فتنة" 1857 مرورا بأعمالها الأحدث التي تصف الصراعات الحالية للثوريين القبليين و الماركسيين ضد الدولة الهندية القومية المستقلة) ، أما ماهاسويتا ديفي الثانية فهي مؤلفة القصص القصيرة القليلة المنتخبة التي أُدركت و اختيرت ضمن الأجندة الما بعد استعمارية من قبل الجامعات الغربية. و هناك العديد من أمثال ماهاسويتا ديفي في جميع اللغات الهندية اللواتي ترتبط كتاباتهن بمدى كامل من القضايا الما بعد استعمارية غير إنهن لم يترجمن بعد للإنكليزية و هن على هذا الأساس غير معروفات للخطاب الما بعد استعماري.
و السؤال الذي يجب طرحه هنا هو: هل يمكن أن نفكر بأحدهم على انه ما بعد استعماري حتى قبل أن يترجم أو دون أن يترجم؟ و هل إن له مجرد وجود قبل أن يترجم؟ و الدافع مفهوم للتأكيد البسيط للذات الذي في دراسات قياس كبيرة للازدهار الترجمي العظيم  بالهند حاليا أخذ مجموعة من الهنود على عاتقهم ترجمة أعمال من الأدب الهندي ، القديم و الحديث، للتوضيح للعالم (بمن فيهم الهنود الأنغلوفونيين) بأن مثل هذه الأعمال موجودة بالفعل. و يقدم لنا أي كي رامانوجان A. K. Ramanujan  ، الذي من المحتمل أن يكون المترجم الهندي الأكثر بروزا في نصف القرن ما بعد الاستقلال، مثالا في هذا المجال من خلال ممارسته الثرة و الواعية مثلما يوضح ذلك فصل فني ضاروادكر   Vinay Dharwadker في هذا الكتاب  [16].
و بصورة عرضية، فإن سلمان رشدي ،الذي يحتمل أن يكون ابرز الكتاب الما بعد استعماريين، يكتب بالإنكليزية  أصلاً و هو على هذا الأساس لا يحتاج أن يترجم. و مع ذلك ، (و هذا بسبب أن جي جي في براساد في فصله بهذا الكتاب [17]  و الإشارة إلى سلمان رشدي و بضعة روائيين هنود قدماء بالإنكليزية) فإن سلمان رشدي قد ترجم نفسه مسبقا ليصبح كاتبا باللغة الإنكليزية من خلال تحويل تنثر فيه المفردات بقصدية و شفافية  (أو بإبهام لمعظم القراء الغربيين) في جميع أعماله بشكل مفردات و عبارات هندية / أوردية . هذه هي الثنائية اللغوية السحرية التي تؤصله بصورة متناقضة ككاتب ما بعد استعماري.هناك بالطبع معنى آخر ادعى فيه رشدي بنفسه أنه رجل "مُترجَم"  translated   للسبب الذي يوضحه بأنه قد "نُقِلَ عبر العالم" ماديا ، من الهند و باكستان إلى انكلترا  (Rushdie, 1991:17)  . و في تكوينه ككاتب ما بعد استعماري ، فإن حقيقة تخليه عن لغته و موقعه الأم أدت دورا تأسيسيا حيويا.و معه مثلما هو مع كتاب عديدين آخرين من العالم الثالث ، فإن هذه الترجمة اللغوية و المكانية كانت الخطوة المهمة الأولى ليصبح كاتبا ما بعد استعماري.  
في الحقيقة، إذا أراد أحدهم أن يجادل باستخدامه صيغة لفظية مشتركة لهومي بهابها مقدمة على وجه الخصوص بما له علاقة بالفن الروائي لرشدي، فهناك ما يقرب من الترادف المفاهيمي بين العالمي    transnational   و الترجمي translational  و التنوع المترجم للمهاجر "المشرد" الذي يسكن الآن "فضاءً ثالث"  (Bhabha, 1994: 5, 224)   الذي من المفترض أن يصبح قريب المنال فقط حين يغادر المرء العالم الثالث.و لكن حتى عندما يكون المرء موجودا بقوة في أرض مستعمرة فإنه لن يكون "في حالة ترجمة" بشكل أقل مثلما تجادل تيجاسويني نيرانجانا   في دمجها المعقد للتاريخ الاستعماري و النظرية الما بعد بنيوية، فالترجمة بالنسبة إليها، مجاز هائل لعلاقات القوة غير المتكافئة التي تعرف حالة المُستعمَرين colonized (Niranjana, 1992)  . و على هذا الأساس يكون الفرد الاستعماري الملتصق بموقعه الأم و المهاجر الما بعد استعماري  غير المناسب / المتلائم شخصين مُترجَمين   translated persons بصورة متساوية.
في الخطاب النظري الحالي إذن ، أن تتكلم عن الترجمة الما بعد استعمارية ليس بأقل من الحديث عن الحشو و الأطناب  tautology  .و في عصرنا المليء بالهجرة و المنفى و الشتات تبدو المفردة ترجمة و كأنها أكملت دورتها و رجعت من معناها الأدبي البلاغي كصفقة لغوية إلى  معناها المادي الأصلي "التقلقل الموضعي"، و تبدو الترجمة نفسها قد تُرجِمت  إلى أصولها، و  مثلما أوحى لوفيفر "ربما حان الوقت للانتقال إلى ما هو أبعد من المفردة ، و تطويرها إلى عالم  المجاز ، إذا جاز التعبير،  و تركها هناك"   (Lefevere, 1994:vii)   .
و في هذه الأثناء، على أية حال، فإن شغل الترجمة القديم كمرور بين اللغات مازال مستمرا في العالم الذي كان و لا زال مُستعمَراً  عاكساً بدقة أكبر من ذي قبل علاقات القوة غير المتناغمة بين "العاميات" المحلية المتعددة ( هذا يعني لغات العبيد ، بالحديث عن الأصول) و اللغة السيدة الوحيدة في عالمنا الما بعد استعماري : الإنكليزية. عندما نشرت أول ترجمة  للبهاغافاد – غيتا Bhagavad-gita  لجالز ولكنز عن السنسكريتية إلى الإنكليزية في 1785 ، و هي أول ترجمة تسبق ترجمة جونز الموسومة ساكونتالا، أشار المحافظ العام في حينه وارن هاستنغز Warren Hastings   بقوله " أن أعمالا من مثل هذا العمل ستبقى عندما تكون السيطرة البريطانية في الهند قد توقفت عن البقاء" ( مقتبس في Brockington, 1989:97 ) .  و لم يستطع هاستنغز أن يتنبأ بالتحول الما بعد استعماري في تاريخ العالم ، الذي أصبحت فيه البهاغافاد- غيتا الآن تنتشر و تعيش من خلال الترجمة الإنكليزية بصورة أفضل نوعا ما عن لغتها الأصلية  ، ربما حتى أفضل من وجودها في الهند في العقود المقبلة.



[1]  سيلحظ القارئ الكريم تغيرا معتبراً في هذا الجزء من المقدمة على مستوى المضمون و الأسلوب، و أكاد أجزم أن المحرر هاريش ترايفيدي هو من كتب هذا الجزء و ليس سوزان باسنيت اعتمادا على "تجربتي" القرائية لباسنيت  أولا و ترايفيدي ثانيا  ، و أعتقد جازما كذلك أن تغيير حجم الخط و شكله في الكتاب الأصلي بما يتعلق بهذا الجزء من المقدمة ليس اعتباطيا.أسلوب ترايفيدي أسلوب "مزعج" من ناحية المفردات و الجمل التي تطول ليصبح حجمها بحجم فقرة كاملة ، لكن لم يحدث مطلقا أن قامت دار نشر عالمية أن غيرت شكل الخط و حجمه لتمييز أسلوب محرري كتاب مثلما فعلت دار رتلج بتمييزها كتابة باسنيت الإنكليزية عن كتابة ترايفيدي الهندي؟؟ فهل هذه مابعد استعمارية أيضا؟

[2]  السير وليم جونز (28 أيلول 1746 – 27 نيسان 1794)  فيلولوجي انكليزي و باحث بالهند القديمة ، و معروف بشكل واسع بفرضيته القائلة بوجود علاقة بين اللغات الأندو- أوربية ، و هو أيضا مؤسس الجمعية الأسيوية.
[3]  الكاما سوترا نص هندوسي قديم يعتبر على نطاق واسع على انه العمل القياسي للسلوك الجنسي الإنساني كتبه فاتساييانا  Vatsyayana   .
[4]  يوجد مثل هذا المثال العشرات و في لغات مختلفة ، فحينما ترجم يوئيل عزيز و آخرون سونيتة شكسبير الثامنة عشر المعروفة ببتها الافتتاحي  Shall I compare thee to a Summer’s day?  أبدل مفردة الصيف إلى ربيع مبررين القضية بأن خير مكافئ للصيف الإنكليزي هو الربيع العربي و أن  من غير المستحسن  و لا من المقبول للحبيب العربي مقارنة حبيبته بالصيف العربي الشديد الحرارة و الذي يبعث على التعرق و المشاعر و الأحاسيس غير الإيجابية. لا أظن ان التفسير أعلاه يصلح لمثل هذه الحالة.
[5]  إدوارد سعيد (1 تشرين الأول 1935- 25 أيلول 2003) منظر أدبي و ناقد ثقافي  فلسطيني – أمريكي. و هو أستاذ اللغة الإنكليزية و الأدب المقارن بجامعة كولومبيا و رمز مؤسس في الدراسات الما بعد استعمارية. قال عنه الصحفي المعروف روبرت فسك بأنه أقوى الأصوات السياسية الفلسطينية. عرف بكتابه الذائع الصيت "الأستشراق  Orientalism   "المنشور عام 1978 و الذي أطلق شهرة سعيد على نطاق دولي واسع.
[6]  عمر الخيام عالم رياضيات و فيلسوف و فلكي و فيزيائي و شاعر فارسي. كتب العديد من الرسائل في الميكانيك و الجغرافية و الموسيقى. أنتقل في عمر مبكر إلى سمرقند و حصل تعليمه هناك، و انتقل من ثم إلى بخارى و أصبح واحداً من  علماء الرياضيات و الفلكيين المعروفين في فترة القرون الوسطى. و خارج دائرة ايران و العالم الناطق بالفارسية ، كان للخيام تأثير كبير في الأدب من خلال ترجمة أعماله و خصوصا إلى العالم الناطق بالإنكليزية حيث قام الباحث الإنكليزي ثوماس هايد (1636 – 1703) أول من قام بدراسته، غير أن أعظم مترجميه و دارسيه على الإطلاق هو إدوارد فتزجيرالد . أما في العربية ، فقد نقل رباعياته كل من أحمد الصافي النجفي و أحمد رامي.
[7]  العطار هو أبو حميد بن أبو بكر إبراهيم (1145/1146 – 1221) المعروف بصورة أفضل بإسميه فريد الدين و العطار شاعر فارسي مسلم و منظر للصوفية  و كاتب سير من مدينة نيسابور ترك أثراً خالدا في الشعر الفارسي و الصوفية.
[8]  أندريه لوفيفر (1945 – 27 آذار 1996) واحد من أهم منظري الترجمة في النصف الثاني من القرن العشرين.درس لوفيفر في جامعة غنت و حصل على الدكتوراه من جامعة اسكس في 1972.و عندما توفي في 1996 كان أستاذا للدراسات الجرمانية بجامعة تكساس بأوستن. و باعتماده على مفاهيم نظرية النظم المتعدد polysystem  لإيفن زوهار قال بأن الترجمة شكل من أشكال إعادة الكتابة ينتج و يقرأ مع مجموعة من الضوابط الأيدلوجية و السياسية الموجودة ضمن النظام الثقافي للغة الهدف.و يمكن اعتبار لوفيفر و غايديون توري و جيمس هولمز و جوز لامبرت من  مقدمة الباحثين الذين جعلوا من دراسات الترجمة منهجا مستقلا.و رأى لوفيفر و سوزان باسنت "بأن لا الكلمة و لا الجملة هما وحدة الترجمة، بل ان الثقافة ستصبح الوحدة الفاعلة في الترجمة" و هو ما كان إيذانا بالتحول الثقافي في دراسات الترجمة.
[9]  غياتري جاكرافورتي سبيفاك (24 شباط 1942 - ) ناقدة و منظرة أدبية هندية، تصف نفسها على انها " ماركسية عملية  أنثوية تفكيكية " ، و تعرف سبيفاك على أفضل صورة بـــمقالتها "هل يستطيع الهامشي أن يتكلم    Can the Subaltern Speak? "  الذي يعتبر البيان التأسيسي للدراسات الما بعد استعمارية و لترجمتها كتاب دريدا " في الكتابة   Of Grammatology "  و "سياسة الترجمة  The Politics of Translation " في دراسات الترجمة. تعمل سبيفاك أستاذة في جامعة كولومبيا.
[10]  رولان بارت (12 تشرين الثاني 1915 – 25 آذار 1980) منظر أدبي و ناقد و فيلسوف و سيميائي فرنسي . تناول بارت في حياته مدى واسع من الأفكار ، و أثر على مسيرة تطور  مدارس عديدة مثل البنيوية و السيميائية و الوجودية و النظرية الاجتماعية و الأنثروبولجيا و مابعد البنيوية. من بين أعماله الهامة "موت المؤلف " و " الكتابة في درجة الصفر المئوي".
[11]  ميشيل فوكو ( 15 تشرين الأول 1926 – 25 حزيران 1984) فيلسوف و عالم اجتماعي و مؤرخ للأفكار فرنسي. أسند إليه كرسي التدريس في الكوليج دي فرانس الراقية و بعنوان " تاريخ أنظمة الفكر" كما درس في جامعة بافالو في بيركلي. عرف فوكو بدراساته النقدية للمؤسسات الاجتماعية و أهمها الطب و علم النفس و العلوم الاجتماعية و مؤسسة السجون إضافة إلى عمله عن تاريخ العملية الجنسية البشرية . و كان لكتاباته عن السلطة و المعرفة و الخطاب أثرا واسعا. و في الستينات من القرن العشرين أبعد فوكو نفسه عن البنيوية التي ارتبط بها من قبل مثلما رفض ما بعد البنيوية و ما بعد الحداثة مفضلا وصف فكره على انه تاريخ نقدي للحداثة متجذر في فكر كانت . لقد تأثر مشروع فوكو بنحو خاص بنتشه ، و قال في حوار أخير أجري معه بأنه نيتشوي. و ذكرت شبكة العلوم  Web of Science   في 2007 أن  فوكو هو أكثر باحث يقتبسه الآخرون. 
[12]  تي أس اليوت ( 26 أيلول 1888 – 4 كانون الأول 1965)  شاعر و مسرحي و ناقد أدبي  إنكليزي أمريكي المولد ، و هو على وجه الخصوص من أهم الشعراء الإنكليز في القرن العشرين. و تعد قصيدة "أغنية حب جي الفريد بروفروك" التي بدأ بكتابتها في 1910 و نشرت في شيكاغو في 1915 القصيدة التي أطلقــت شهرتــه ، و الحــق بها سلــسلة من القــصائد المعــروفة مثــل جيــرونشن (1920) و الأرض اليــباب ( 1922) و أربعاء الرماد (1930) ...و عرف اليوت أيضا بمسرحياته السبع و خصوصا مسرحية " مقتل في الكاتدرائية" . منح جائزة نوبل للآداب في 1948.
[13]  الرامايانا ملحمة سنسكريتية قديمة تنسب للحكيم الهندوسي فالميكي و تشكل جزءا مهما من التراث الهندوسي، و هي إحدى أعظم ملحمتين هنديتين إضافة إلى المهابهاراتا . و تصور الرامايانا واجبات العلاقات الإنسانية المثالية ممثلة بشخوص الخادم المثالي و الأخ المثالي و الزوجة المثالية و الملك المثالي.

[14]  Garnesh Devy “Translation and Literary History – an Indian View”, pp. 182-189.
[15] Vanamala Viswanatha & Sherry Simon “Shifting Grounds of Exchange: B. M. Srikantaiah and Kannada Translation”, pp. 162-182.
[16] Vinay Dharwadker “A. K. Ramanujan’s Theory and Practice of Translation”, pp.114-141.
[17] G. J. V. Prasad “Writing Translation: The Strange Case of the Indian English Novel”, pp. 41-58.