السبت، 15 يناير 2011

الترجمة الما بعد استعمارية : نظرية و تطبيق / الجزء الأول

الترجمة الما بعد استعمارية : نظرية و تطبيق
مقدمة
(الجزء الأول)
عن المستعمرات و أكلة لحوم البشر و اللغات العامية
سوزان باسنيت و هاريش ترايفيدي [1]
ترجمة : كاظم العلي

في يوم ما ، في القرن السادس  عشر، في الأرض التي ندعوها اليوم بالبرازيل، التهم أعضاء قبيلة التوبينامبا   Tupinambaقسيساً كاثوليكيا. و بعث هذا التصرف الرعب عبر البرتغال و اسبانيا حيث مثل المحرم المطلق لكل مسيحي أوربي. لقد أرتبط المصطلح " آكل لحوم البشر" بالأمريكيين ، و يشير أصلا إلى جماعة من الكاريبيين الذين يعيشون في جزر الأنتيل ، و دخل معجم اللغة الإنكليزية بصورة مؤكدة من خلال معجم أكسفورد لعام 1796 إذ كان يعني " آكل لحم البشر" ، و تم تمريره  في النهاية إلى لغات أوربية أخرى.  و أندمج أسم القبيلة و الاسم المخلوع على المتوحشين الذين يأكلون اللحم البشري بمصطلح واحد.
لم يكن التهام القسيس تصرفاً غير منطقي من جانب أعضاء قبيلة التوبينامبا ، و ربما يزعم أنه كان تصرفاً ينم عن الإجلال و التقدير. ففي النهاية، لا يأكل المرء أناساً لا يحترمهم، و ينظر إلى التهام الأعداء الأقوياء أو كبار السن المحترمين في بعض المجتمعات على انه وسيلة لاكتساب القوى التي يمارسونها في الحياة [2]. و لم تك تلك ممارسة غير معروفة في أوربا و كل ما علينا سوى التفكير ببورشيا، تلك الأرملة النبيلة التي تناولت رماد زوجها في قدح للنبيذ معلنة أن جسدها هو المكان الأليق لراحة زوجها. و بالتأكيد، و بصورة محيرة لقبيلة التوبينامبا من دون شك حيث كان القس يسعى إلى تحويلهم إلى النصرانية ، فإن المسيحية ترتكز على رمزية تناول جسد المسيح  المخلص و دمه. و من العبث الاحتجاج على أن الالتهام الرمزي يجب تمييزه عن الالتهام الفعلي لجسد الأب ساردينها   Father Sardinha  ان مفهوم قبيلة التوبيناما عن الالتهام و المحرم جاء من مصادر شديدة الاختلاف.
ثم ماذا؟ربما نسأل: هل لهذه الحكاية أية صلة بالترجمة؟ الشيء الكثير في الحقيقة، لكن قبل تناول السؤال  بصورة أكثر تفصيلا من المهم أن نؤسس مبادئ معينة. أولا و بوضوح كبير: إن الترجمة لا تحصل في فراغ، بل في متسلسلة، انها فعل غير معزول، و هي جزء من عملية متواصلة للنقل البيثقافي    Intercultural Transfer.علاوة على ذلك، فإن الترجمة فعالية تلاعبية   manipulative activity إلى حد كبير و تشتمل على جميع أنواع المراحل  في عملية النقل تلك التي تحدث عبر الحدود اللغوية و الثقافية. و الترجمة ليست فعالية بريئة و شفافة بل مشحونة إلى حد بعيد بالمغزى، و من النادر أن تنطوي على علاقة مساواة بين النصوص و المؤلفين أو الأنظمة  [3].
لقد تحدى العمل الحديث في دراسات الترجمة الفكرة الراسخة بأن الترجمة دونية بالنسبة للأصل. و اتبع البحث في دراسات الترجمة في هذا المجال مساراً مماثلاً لحركات راديكالية أخرى ضمن الدراسات الأدبية و الثقافية، مُسائلاً سياسات التقديس و منطلقا بعزم بعيدا عن أفكار العظمة الأدبية الشمولية. و لا يعني هذا إنكار أن بعض النصوص تقيم بصورة أعلى من نصوص أخرى، بل يعني ببساطة التأكيد على أن نظم التقييم تتنوع من حين لآخر و من ثقافة لأخرى  و على انها ليست ثابتة.
إن أحدى القضايا التي على أي باحث في دراسات الترجمة أن يواجهها هي العلاقة بين النص المسمى بـــــــ "الأصل / الأصلي"، أو "المصدر" و ترجمة ذلك الأصل. و لقد مر حين من الدهر حيث كان الأصل يستشعر على أنه أرفع شأناً من الترجمة التي أُنزلت إلى موقع كونها مجرد نسخة ، و إن كانت بلغة أخرى ، غير ان البحث في تاريخ الترجمة أوضح ان مفهوم الأصل العالي المكانة هو ظاهرة حديثة نسبيا إذ لم يعاني الكتاب أو المترجمون القروسطيون من هذا المظهر الوهمي. لقد برز المفهوم نتيجة لاختراع الطباعة و انتشار القراءة و الكتابة و ارتبط بظهور فكرة المؤلف "مالكا" لنصه، إذ لو أن صاحب المطبعة أو المؤلف أمتلك النص، فما هي حقوق المترجم؟ لقد تم تشكيل هذا التناقض في العلاقة بين الترجمة و ما يسمى بالأصول في تفكيرنا.و من المهم أيضا القول أن اختراع فكرة الأصل مرتبط بفترة التوسع الاستعماري المبكر عندما بدأت أوربا بالانطلاق خارج حدودها لامتلاك الأراضي.أما اليوم فإن الافتراضات عن الأصول القوية تُساءل بصورة متزايدة، و ينبع المصدر الرئيس لذلك التحدي من مناطق أكلة لحوم البشر المخيفين ، و من خارج سلامة الأسيجة و جدران الطابوق المحكمة لأوربا.
يدعي اوكتافيو باث  Octavio Paz    [4]   أن الترجمة هي الوسيلة الرئيسة التي نملكها لفهم العالم الذي نعيش فيه. فالعالم ، كما يقول ، يُقَّدم إلينا مثل كومة متنامية من النصوص:
و كل واحد من تلك النصوص يختلف قليلا عن الذي سبقه: ترجمات لترجمات لترجمات. كل نص فريد بذاته، و مع ذلك فإنه في الوقت نفسه ترجمة لنص آخر. لا يمكن لأي نص أن يكون أصيلا تماما لأن اللغة نفسها ، في جوهرها المحض، عبارة عن ترجمة مسبقة – أولا عن العالم غير المنطوق ، و من ثم لأن كل علامة و كل عبارة  هي ترجمة لعلامة أخرى و عبارة أخرى [5].
(Paz, 1992:154)

إن هذا موقف متطرف  عن الترجمة لا يراها على انها فعالية هامشية ، بل فعالية أساسية و يتناغم مع تعليقات مشابهة لكتاب من أمثال غابرييل غارسيا ماركيزGabriel  Garcia Marquez  [6] و خورخي لويس بورخيس     Jorge Luis Borges    [7]  و كارلوس فوينتسCarlos Feuntes  [8].  في الحقيقة ، لقد مضى فوينتس بعيدا بقوله " الأصالة مرض"، و هي مرض الحداثة التي تطمح دوما أن ترى نفسها شيئا جديدا  (Feuntes , 1990:70) و من العدل القول ان عددا كبيرا من الكتاب الأمريكيين اللاتينيين اليوم لهم رؤى قوية حول الترجمة، و رؤى قوية مساوية عن العلاقة بين الكاتب / القارئ و المترجم. و لكي نفهم شيئا عن هذا التغيير في التأكيد نحتاج لأن نفكر ثانية بتاريخ الترجمة و عن كيفية استخدامها في الفترة المبكرة للاستعمارية.
يصف فسينتي رافائيل     Vicente Raphael [9] المغزى المختلف للترجمة بالنسبة للمستعمرين الأسبان و شعب التاغالوغ Tagalog    بالفلبين   [10]:

بالنسبة للأسبان، كانت الترجمة تمثل على الدوام قضية تحويل اللغة و الثقافة المحليتين إلى أشياء قريبة المنال من / و موضوعات تبعث على التدخل المقدس و الإمبريالي. و بالنسبة لشعب التاغالوغ لم تمثل الترجمة عملية لتذويت التقاليد الاستعمارية – المسيحية بل عملية لتجنب قبضتها الشمولية عن طريق التبيان المتكرر للفوارق بين لغتهم و اهتماماتهم عن لغة و اهتمامات الأسبان.
(Raphael, 1988:213)

و يحدد رافائيل بدقة المعنى المختلف بصورة عميقة للترجمة عند الجماعات المختلفة في عملية الاستعمار حيث أنه بات من المؤكد الآن إدراك أن الحركة الاستعمارية سارت يداً بيد مع الترجمة. و يجادل ايريك شيفتز Eric Cheyfitz    ان الترجمة " كانت الفعل المركزي للاستعمارية و الإمبريالية الأوربية في أمريكا" . و تمضي تيجاسويني نيرانجانا Tejaswini  Niranjana    [11] إلى ابعد من ذلك و تقترح ان الترجمة تُشّكل و تتشكل "ضمن العلاقات المتناظرة للقوة التي تشتغل في ظل الاستعمارية" (Niranjana,1992:2) . إن شخصية لا مانجي [12] La Malinche    المرأة الأمريكية المحلية التي تؤخذ على انها عشيقة  الفاتح هيرمان كورتيس Herman Cortes  و التي كانت أيضا تقوم بدور المترجمة بين الأسبان و شعب الآزتيك تمثل أيقونة لتذكيرنا بأن مجازا مهيمنا للاستعمارية هو مجاز الاغتصاب و امتلاك "الأراضي العذراء" و حرثها و تخصيبها  و جعلها متحضرة  (Hulme, 1986) . و هكذا فإنه في هذه الفترة ما بعد الاستعمارية حيث بدأت الإمبراطورية ، كما يصف ذلك سلمان رشدي [13]، تشن هجوما معاكسا ليس من المدهش ان نجد مفاهيم متطرفة عن الترجمة تظهر من الهند و أمريكا اللاتينية و كندا و ايرلندا ، و باختصار من المستعمرات السابقة حول العالم تتحدى الأعراف الأوربية الراسخة حول ماهية الترجمة و ما تمثله.
دعونا نعود عند هذه المرحلة إلى أكلة لحوم البشر. لقد أكلت قبيلة  التوبينامبا قسها ، و رجعت مجموعة من الكتاب البرازيليين في عشرينات القرن العشرين إلى تلك القصة  في سعيها لإعادة التفكير بعلاقتهم ، بصفــتهم أمريكــيين لاتينيين، مع أوربا.فأوربا كانت  تمثل الأصل العظيم ، نقطة  البداية، بينما مثلت المستعمرات على هذا الأساس نسخا، أو "ترجمات" لأوربا، كان عليها استنساخها.علاوة على ذلك، فبكون الترجمات نسخا كانت أقل تقييما من الأصول، و إن أسطورة الترجمة بوصفها شيئا يقلل من الأصل العظيم قد أسست نفسها.و من المهم أيضا ان نتذكر أن لغة "الخسارة" ظهرت  بقوة في تعليقات عديدة عن الترجمة، فروبرت فروست  Robert Frost [14] ، على سبيل المثال، زعم أن "الشعر هو ما يضيع في الترجمة" . و طلاب الترجمة جميعا على وجه التقريب يبدءون بالافتراض أن شيئا ما سيفقد في الترجمة، و أن النص سوف يُحّط من قــيمته و يقــدم بــصورة دونية.و يندر أن يفكروا أنه ربما يكون هنالك أيضا عملية ربح [15]. إن مفهوم المستعمرة بوصفها نسخة أو ترجمة للأصل الأوربي العظيم تنطوي على حكم قيمي يرتب الترجمة في موقع أقل في الهرمية الأدبية [16]. و المستعمرة، ضمن هذا التعريف، هي في النتيجة أقل شأنا من مستعمريها، من أصلها.
إذن كيف على المستعمرات ، الخارجة من الاستعمارية، ان تتعامل مع تلك المعضلة؟ كيف عليها ان تجد سبيلا لتأكيد ذواتها و ثقافاتها و أن ترفض وصف "النسخة" أو "الترجمة" من دون رفض كل ذي قيمة يأتيها من أوربا في الوقت عينه؟ لقد قدم أوزوالد دو اندريد Oswald de Andrade   [17]   في     البيان الوحوشي   Manifesto Antropofago  الذي ظهر في 1928 ، أي بعد 374 عاما من وفاة الأب ساردينها القس الذي أكلته قبيلة التوبينامبا، بمجاز الوحوشية (أكل لحوم البشر) على انه طريق للأمام للثقافة البرازيلية. فبالتهام أوربا فقط يستطيع المُستعمَرون أن ينفصلوا عما فرض عليهم.و يمكن في الوقت ذاته أن يفهم الالتهام على أنه انتهاك للأعراف الأوربية و فعل حنين وولاء [18] .
أصبح المجاز الوحوشي يستخدم للتوضيح للمترجمين ما يمكن أن يفعلوه مع النص. فالترجمة ، مثلما يقول المترجم البرازيلي العظيم هارولدو دو كامبوس   Haroldo de Campos  الذي تناقش ايلس فييرا   Else Vieira عمله التفصيل في فصلها بهذا الكتاب [19]  ، يمكن أن تُشبه بعملية نقل الدم حيث يكون التأكيد منصباً على صحة المترجم و  غذائه. و يمثل هذا بوناً شاسعا عن مفهوم الإخلاص للأصل و لمفهوم كون المترجم عبدا للنص الأصلي. إن الترجمة بالنسبة لدو كامبوس هي حوار يكون المترجم فيه قارئا فعالا جدا ووكيلا حراً ككاتب. و هذه وجهة نظر للترجمة مختلفة بصورة كبيرة عن تلك التي يصفها جورج شتاينر George Steiner [20]  على انها تشتمل على " اختراق  penetration  " للنص الأصلي [21]  .
و في هذه المرحلة من الزمن يتحول منظرو ما بعد الاستعمارية بصورة متزايدة إلى الترجمة و يستولون على المصطلح نفسه و يعيدون تقييمه. لقد أصبحت العلاقة الوثيقة بين الاستعمارية و الترجمة محل تمحيص ، و نستطيع الآن ان ندرك المدى الذي كانت فيه الترجمة لقرون عملية ذات اتجاه واحد إذ  تُترجم النصوص إلى اللغات الأوربية للاستهلاك الأوربي بدلا من ان تكون عملية مقايضة مشتركة. لقد هيمنت الأعراف الأوربية على الإنتاج الأدبي، و ضمنت تلك الأعراف أن أنواعا معينة من النصوص، النصوص التي تثبت عدم غرابتها عن الثقافة المستقبلة،  هي التي تُترجم. و مثلما توضح أنوراضا دنغويني    Anuradha Dingwaney  و كــارول مــير  Carol Maier  (1995) فــإن الترجمة غالبا ما تكون فعلاً من أفعال العنف  [22]. علاوة على ذلك، فإن الدور الذي تقوم به الترجمة في تسهيل الاستعمارية واضح للعيان أيضا الآن. و إن مجاز المستعمرة بوصفها ترجمة و نسخة لأصل متموضع في محل آخر على الخارطة قد تم الاعتراف به.
لقد أفضى التاريخ المخزي للترجمة الذي يتم كشفه الآن إلى بعض ردود الأفعال المتطرفة. فهنالك الذين يؤمنون أن الترجمة إلى اللغات الأوربية يجب أن تُقيد،بل و تمنع، و أن النصوص يجب ألا تترجم إلى الأنظمة اللغوية و الثقافية المهيمنة لأن هذا يُديم  العملية الاستعمارية [23] .و لهم حق في هذا التأكيد. لكن تقييد الترجمة يعني السير المحفوف بالمخاطر إلى أشكال أخرى من الرقابة. فمنع الترجمة يمكن ان يفضي إلى المسار ذاته الذي ينتهي بحرق الكتب التي تم تقييمها على انها غير مقبولة من قبل نظام استبدادي. و المدخل الأكثر إنتاجية هو الذي يقترحه  كتاب من أمثال هومي بهابها   Homi Bhabha  [24] و العديد من المترجمات الكنديات اللواتي تناقشهن شيري سايمون  Sherry Simon   في فصلها [25] بهذا الكتاب  و اللذين يطالبون بصورة مقنعة بسياسة  توفيقية جديدة و بإعادة تقييم الإمكانات الإبداعية للفضاء الهامشي liminal space .و كما يصف هومي بهابها فإن:
علينا أن نتذكر ان الــــ "بين" – الحد المتداخل بين الترجمة و التفاوض، الفضاء البيني – هو الذي يحمل هم معنى الثقافة . و يجعل ذلك الأمر ممكنا تصور التواريخ اللا وطنية "للشعوب" وطنية. و باستكشاف هذا الفضاء الثالث،ربما نتملص من سياسة القطبية و نبرز على اننا الشخصيات الأخرى لأنفسنا. (Bhabha, 1994:38-9)
يشترك محررا هذه المجموعة من الدراسات التي أعدها أخصائيون في الترجمة و كتاب و مترجمون بالرغبة في تحاشي سياسة القطبية.و المبدأ الأساس الذي تؤسس عليه جميع فصول الكتاب هو ان فعل الترجمة ينطوي دوما على شيء أكبر بكثير من اللغة. و التــرجمات تــشكل على الدوام جزءا لا يتجزأ من الأنظمة الثقافية و السياسية  و التاريخ  [26] . و لقد تم النظر إلى الترجمة لمدة طويلة على انها مجرد فعل جمالي و تم إهمال المشاكل الأيديولوجية. و مع ذلك، فإن الإستراتيجيات التي يستخدمها المترجمون تعكس السياق الذي تنتج فيه النصوص. و في القرن الثامن عشر نما تراث ترجمي انكليزي يتم فيه قطع و تنقيح و نشر النصوص من اللغتين العربية و الهندية بهوامش أنثروبولوجية موسعة.و بهذه الطريقة، فإن الموقع الثانوي للنص الفردي و للثقافة التي أدت إلى إنتاجه في المقام الأول أُسّسَ عبر ممارسات نصية محددة. فالعرب مثلما يبلغ ادوارد لين  Edward Lane  [27]   القراء في ملاحظاته على ترجمته الشعبية لألف ليلة وليلة كانوا أكثر سذاجة من القراء الأوربيين المتعلمين و لم يميزوا بشكل واضح بين العقلاني و الخيالي مثلما يفعل الأوربيون (Lane, 1859)  . و على نفس المنوال استطاع ادوارد فتزجيرالدEdward Fitzgerald   مؤلف واحدة من انجح الترجمات في القرن التاسع عشر و هي ترجمة رباعيات عمر الخيام أن يتهم الفرس بنقص المقدرة الفنية و يوحي بأن شعرهم يمكن ان يصبح فناً فقط عندما يترجم للإنكليزية (Bassnett, 1991)   . لقد كان كل من لين و فتزجيرالد مترجمين مذهلين ، غير إننا عندما نتفحص المبادئ التي تأسست عليها ممارستهما الترجمية يظهر لنا جليا أنهما  كانا ينظران لنفسيهما على انهما ينتميان لنظام  ثقافي أرقى. لقد كانت الترجمة وسيلة لاحتواء انجازات الكتاب الفنية في لغات أخرى و لتأكيد فوقية الثقافة الأوربية المهيمنة [28].


[1]  هذه المقدمة   Introduction: of Colonies , Cannibals and Vernaculars     هي للكتاب الموسوم   Post – Colonial Translation : Theory and Practice     الذي حررته كل من سوزان باسنيت و هاريش ترايفيدي .ص 1-17. و تعمل سوزان باسنيت أستاذة في مركز الترجمة و الدراسات الثقافية المقارنة بجامعة ووروك ببريطانيا ، و هي خبيرة عالمية في حقل الترجمة و الدراســات البيــثقافية و مــؤلفة واحد من أكثر الكتب مبيعا و هو "دراسات الترجمة  Translation Studies  "  ، أما هاريش ترايفيدي فهو أستاذ بجامعة دلهي و أستاذ زائر بجامعتي شيكاغو و لندن، و ترايفيدي هو مؤلف كتاب  " صفقات استعمارية : الأدب الإنكليزي و الهند   Colonial Transactions: English Literature and India " و حرر ترايفيدي العديد من الكتب و اشتهر بمنهجه ما بعد الاستعماري.
ملاحظة : جميع الهوامش الواردة في أدناه تعود للمترجم.
[2]   لا يمكن أن نعد هذا الأمر غريبا قدر تعلقه بالترجمة ، فقد ترجمت الأمم آداب غيرها لتحسين مستويات آدابها و أساليبها  الأدبية مثلما فعل الرومان، و التهم المسلمون علوم و آداب الإغريق و الهنود و الفرس و دُفِعَ للمترجمين ما يساوي وزن ترجماتهم ذهبا في ما أصطلح عليه بالعصر الذهبي أيام المأمون و دار الحكمة . و تلتهم دول و حضارات و مترجمون كثيرون (نتاجات) دول و حضارات و مؤلفات كثيرين من دون الاعتراف بحقوقهم المادية و الفكرية ، و يرى البعض فعلته هذه بأن ترجماته (غير المدفوعة الحقوق) مبررة كرد فعل إزاء خلفية المؤلف الأستعمارية .
[3]   هناك عدد من الباحثين الذين بدءوا يساءلون المفهوم الراسخ و التقليدي المتعلق ببراءة الترجمة و كونها فعلا يهدف إلى مد الجسور و نشر السلام و التواصل بين لغتين و أمتين مختلفتين ، و من أولئك الباحثين سوزان باسنيت و مونا بيكر. و تزودنا مونا بيكر ، على وجه الخصوص، بطائفة واسعة من الأمثلة التي تمنع  فيها الترجمة التواصل و تعكر التسامح و تؤدي فيها أدوارا غير بريئة وذلك في بحثها "سرديات في الترجمة و عن الترجمة" و كتابها "الترجمة و الصراع".أما بخصوص المساواة بين النصوص و المؤلفين أو الأنظمة، فالأمثلة على ذلك كثيرة ، و منها أن الدراسات المترجمة أو الكتب المترجمة لا تؤخذ بعين الاعتبار عند تقديم الأستاذ الجامعي  للترقية العلمية و إن كان الجهد المبذول في التقديم و الشرح و التفسير و المقاربة للمصطلحات يفوق بكثير البحث الأكاديمي، و أن الكثير من الهيئات التي تعلن عن جوائز أدبية لا تخصص بابا للترجمة ، و لم نسمع عن جائزة نوبل للآداب منحت لمترجم بعد!
[4]  ولد الكاتب و الشاعر و الدبلوماسي المكسيكي اوكتافيو باث في 31 آذار 1914 و توفي في 19 نيسان 1998 و حاز على جائزة نوبل للآداب في 1990.كان والده مناصراً قويا للثورة ضد نظام دياز. و يعد باث كاتبا و شاعراً منتجا إذ نشر العشرات من الأعمال في حياته التي ترجم العديد منها إلى اللغات الأخرى. و قد ترجم شعره ، على سبيل المثال، كل من صامويل بيكيت و جالز توملنسون و إليزايث بيشوب و مورييل ركيسير و مارك ستراند. و تأثر شعره المبكر بالفلسفات الماركسية و السريالية و الوجودية بالإضافة إلى تأثره بالبوذية والهندوسية .
[5]  و يذكرنا كل من ميخائيل باختن و جوليا كرسيفا و رولان بارت بأن اللغة كلها عبارة عن  شيء مستعمل  second-hand ، و هذا يعني أن كل نص أدبي ما هو سوى شظايا أو أجزاء من ملفوظات سابقة.
[6]  غابرييل غارسيا ماركيز (6 آذار 1927) روائي و كاتب قصص قصيرة و سيناريست و صحفي من كولومبيا.و يعتبر ماركيز واحداً من أبرز مؤلفي القرن العشرين. منح جائزة نوبل للآداب في 1982، و هو أول كاتب حي يرزق هذه الجائزة.و قام ماركيز بتربية نفسه بنفسه مما أدى إلى تركه لكلية الحقوق ليتوجه نحو الصحافة.و لم يخف ماركيز منذ فترة مبكرة نقده للشؤون الكولومبية و الدولية. من أعماله المميزة: مئة عام من العزلة، خريف البطريرك، الحب في زمن الكوليرا، و ليس للكولونيل من يكاتبه .
[7]  خورخي لويس بورخس كاتب و مقالاتي و شاعر أرجنتيني ولد في بوينس أيرس. في العام 1914 انتقلت عائلته إلى سويسرا، و عند عودته في 1921 إلى الأرجنتين بدأ بنشر قصائده و مقالاته في مجلات أدبية سريالية. ذاع صيته في العام 1961 باستلامه جائزة الناشرين الدولية، و نشرت أعماله و ترجمت في الولايات المتحدة و أوربا.توفي في جنيف في 1986.
 [8] ولد الكاتب المكسيكي كارلوس فوينتس في 11 تشرين الثاني 1928 ، و يعد من  أشهر الروائيين و كتاب المقالة الأحياء في العالم الناطق بالأسبانية . وأثر فوينتس في الأدب الأمريكي اللاتيني المعاصر ، و ترجمت أعماله بصورة واسعة إلى الإنكليزية و لغات عالمية أخرى.
و بصدد الأصالة، يقول بول فاليري " لا شيء أدعى إلى الأصالة مثل التغذي على أراء الآخرين ، فما الأسد إلا بضعة خراف مهضومة ، أما بخصوص الموقف الإيجابي لهؤلاء الكتاب و غيرهم من الترجمة فأعتقد انه ينبع من حرص الأدباء  على نقل أعمالهم إلى لغات أخرى و توسيع دائرة قرائهم و الرغبة بتسليط الأضواء على أعمالهم .
[9]  فسنتي رافائيل أستاذ التاريخ بجامعة واشنطن و مؤلف "وعد الأجنبي: الوطنية و تقنيات الترجمة في الفلبين الأسبانية" و "الحب الأبيض و أحداث أخرى في التاريخ الفلبيني" .
  [10] تمثل لغة التاغالوغ اللغة الأولى لحوالي ثلث سكان الفلبين ، و اللغة الثانية لدى البقية الباقية من السكان .
[11]  الدكتورة تيجاسويني نيرانجانا باحث أقدم بمركز الدراسات المتقدمة بجامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة ، و هي مؤلفة    Siting Translation: History, Post-Structuralism and the Colonial Context  ، و محررة كتاب    Interrogating Modernity: Culture and Colonialism in India .
[12]  تعرف لا مالانجي بأسماء أخرى مثل مالنتزن  Malintzin   و مالنالي Malinalli    و دونا مارينا Dona Marina   و هي امرأة من ساحل الخليج المكسيكي ساعدت على الاحتلال الأسباني للمكسيك من خلال قيامها بأدوار المترجمة و  المستشارة و العشيقة و الوسيطة لهيرنان كورتيز. و هي واحدة من عشرين عبدا أعطاهم أهل تاباسكا لكورتيز في 1519. و أصبحت فيما بعد عشيقة لكورتيز و منحته ابنه البكر مارتن، و هو أول مولود من جذور أوربية و أمريكية لاتينية.و لقد تغيرت سمعة لا مالانجي عبر السنين بحسب المتغيرات السياسية و الاجتماعية و خصوصا بعد الثورة، و أصبحت تمثل رمزا للشر  في الأعمال المسرحية و الروائية و اللوحات الفنية.و تمثل لامالانجي في المكسيك اليوم بصورة متضاربة  تجسيدا للخيانة و الضحية الأبدية و الأم الرمزية للشعب المكسيكي. و يطلق المصطلح المشتق من الاسم   La Malinchista    على المكسيكي الخائن.
[13]  سلمان رشدي  (19 حزيران 1947) روائي و مقالاتي بريطاني هندي الأصل. عرف بصورة واسعة بروايته الثانية "أطفال منتصف الليل Midnight’s Children " الصادرة في 1981 و التي فازت بجائزة البوكر في السنة ذاتها. و تدور معظم رواياته عن القارة الهندية، و يتصف أسلوبه بالواقعية السحرية الممزوجة بالرواية التاريخية. أثارت روايته الثانية "آيات شيطانية Satanic Verses “ الصادرة في 1988 الكثير من الجدل و ردود الأفعال الغاضبة في العالم الإسلامي ووصل بعضها إلى إصدار فتاوى الموت، و منها الفتوى التي أصدرها رجل الدين الإيراني آية الله خميني في 24 شباط 1989.
[14]  روبرت لي فروست شاعر أمريكي ( 26 آذار 1874 – 29 كانون الثاني 1963) ، أمتدح كثيرا لتصويراته الواقعية للحياة الريفية و لتمكنه من اللغة العامية الأمريكية، و يستثمر في أعماله مشاهد من نيو انغلند في بواكير القرن العشرين ليمحص أفكار اجتماعية و فلسفية معقدة. و فاز فروست الذي حظي بشعبية كبيرة و تكريمات عديدة بأربع جوائز بوليتزر للشعر.
[15]  الربح و الخسارة في الترجمة قضية كثيرا ما تثار في الترجمة، و غالبا ما يكون أنصار مبدأ الخسارة في الترجمة من اللغويين المتزمتين الذين يرون الاختلافات في النظامين اللغويين حائلا للقيام بالترجمة أو للتمتع بالأعمال المترجمة .
[16]  أظن أن هناك موقفا متناقضا من الترجمة و الترجمات. فالموقف العام و السائد من عملية الترجمة هو كونها عملية ثانوية و اشتقاقية و آلية و متطفلة على الآخر و غير إبداعية يختلف عن النظرة الى الترجمات من الأعمال الأدبية و الفلسفية و العلمية التي هي موضع ثقة و اطمئنان القارئ الذي يعبر دوما عن حرصه على الإطلاع على الأعمال المترجمة، و هو ما كشف عنه استطلاع بين شرائح مختلفة من المثقفين العراقيين أجري في ثمانينات القرن العشرين .
[17]  خوسيه اوزوالد دو اندريد سوزا ( 11 كانون الثاني 1890 – 22 تشرين الأول 1954) شاعر برازيلي ولد و قضى معظم حياته في ساو باولو. و أندريد واحد من مؤسسي جماعة الخمسة بالبرازيل، و يعرف على نحو أفضل ببيانه عن الوطنية البرازيلية المسمى بالبيان الوحوشي و الذي يقول فيه بأن تاريخ البرازيل بالتهام حضارات أخرى يمثل أعظم نقطة قوة لها ، و أن الوحوشية تصبح بالنسبة للبرازيل طريقا لتأكيد ذاتها ضد الهيمنة الثقافية الأوربية الما بعد استعمارية.و الجملة الأكثر رمزية في البيان هي   Tupi or not tupi: that is the question  ، و هي تكريم لقبيلة التوبي التي اتهمت أحيانا بالوحوشية، و هي مثال على ذلك بالتهامها شكسبير إذ ان شكسبير يقول  To be or not to be : that is the question .
[18]  يرفض العديد من المثقفين و العقلانيين العرب و المسلمين رفضا باتا موقف الالتهام أو الانتقام الذي يعبر عنه اوزوالد دو اندريد. و بدلا عن صراع الحضارات الذي يطرحه صامويل هتنغتون ، يطرح البعض منهم مبدأ حوار الحضارات. و إن كان في أحايين كثيرة يصعب على أعداد كبيرة من أبناء الأمتين التناغم مع الطروحات الغربية و غض الطرف عن انتهاكات حقوق العرب و المسلمين في مناطق كثيرة من العالم في فلسطين و العراق و أفغانستان . و يمكن القول أن النسخة الضعيفة لمبدأ الالتهام هي الاستفادة من علوم الآخر و آدابه أما النسخة الأكثر تأدبا فهي التلاقح.
[19] Else Ribeiro Pires Viera, “Liberating Calibans: Readings of Antropofagia and Haroldo de Campos” Poetics of Transcreation”, pp. 95-113.
[20]  جورج ستاينر (23 نيسان 1929) ناقد أدبي و مقالاتي و فيلسوف و روائي و مرب أوربي المولد أمريكي الجنسية. و قد كتب العديد من الأعمال عن العلاقة بين اللغة و الأدب و المجتمع، و كان ستاينر أستاذا متمرسا للإنكليزية و الأدب المقارن بجامعة جنيف (1974-1994)، و أستاذا الأدب المقارن و زميلا لجامعة أكسفورد (1994-1995)، و أستاذا الشعر بجامعة هارفرد (2001-2002).و من أعماله الشهيرة في الترجمة كتابه " ما بعد بايل  After Babel "  المنشور في 1975 و الذي يعد من الإسهامات البارزة المبكرة في حقل دراسات الترجمة.و لقد حفلت عملية توصيف عملية الترجمة بمجازات عديدة ، و منها هذا المجاز الذكوري التوجه لستاينر ففيه تمثل الترجمة على انها عملية امتلاك و اختراق جنسية ذكورية للأصل .
[21]   يمكن الإطلاع على المجازات المستخدمة عن الترجمة في الدراسة:
Michael Hanne “Metaphors for the Translator”, in The Translator as a Writer, 2006, Susan Bassnett & Peter Bush (eds).
[22] Anuradha Dingwaney & Carol Maier (eds) (1995). Between Languages and Cultures: Translation and Cross-Cultural Texts (Pittsburgh and London: University of Pittsburgh Press).
 [23]  يمكن القول بأن هناك عدة مواقف من وجهة النظر هذه ، إذ يمكن القول بأن بعض مشاريع الترجمة إلى اللغات و الثقافات المهيمنة ذات صبغة  استعمارية في تركيزها على ترجمة الرموز و الشرائح الثقافية المهمشة و المحرومة مما يخلق انطباعاً بأن تلك المشاريع غير خالية من أهداف و أبعاد سياسية تتواصل مع البرامج السياسية الموجهة نحو أنظمة و بلدان و مناطق  تعد مارقة بالنسبة للثقافات المهيمنة، و يمكن تفسير برامج الدعم و الرعاية لمشروعات الترجمة هذه في ضوء علاقة السيد المُستْعمِر بالعبد "المُستَعمر" خصوصا في حالات التدخل اللغوي و الأسلوبي و الصياغي و هو موقف عبر عنه بجلاء ادوارد فتزجيرالد في معرض ترجمته لرباعيات عمر الخيام بقوله أنه تصرف بكامل الحرية في ترجمته للرباعيات و من أن الفرس ليسوا شعراء كبار ليخيفوه و ان شعرهم بحاجة للصقل. و هناك أيضا موقف آخر يمكن القول عنه بأنه ينبع من أهداف و مقاصد إنسانية و ثقافية نبيلة تؤمن بالآخر و تعنى بتلاقح الأفكار و الثقافات، كما يمكن القول أيضا أن مشروعات الترجمة إلى اللغات و الثقافات المهيمنة تنطوي على عملية اختراق ( إذا ما استعملنا تعبير ستاينر) لتلك اللغات و الثقافات.
[24]  هومي بهاها هو أستاذ اللغة الإنكليزية و الأدب الأمريكي و مدير مركز الإنسانيات في جامعة هارفارد ، و يعد من الرموز الأكثر أهمية في حقل الدراسات الما بعد استعمارية و قد نحت و صاغ الكثير من مصطلحات الحقل و مفاهيمه الأساسية التي تصف مقاومة الشعوب التي تم استعمارها لقوى الاستعمار. و يستخدم بهابها مجاز الهجرة و المهاجرين  لتفسير عملية الترجمة.
[25]  Sherry Simon, “Translating and Interlingual Creation in the Contact Zone: Border Writing in Quebec”, pp. 58-74.
[26]  لقد تحول الاهتمام في دراسات الترجمة بعيداً عن التكافؤ عند مستوى المفردة و الجملة و النص إلى رؤية أن وحدة الترجمة هي الثقافة و هو ما نادى به كل من باسنيت و لوفيفر و عبرا عنه بوضوح في كتابهما الصادر في 1990 بعنوان  "الترجمة و التاريخ و الثقافة                 Translation, History and Culture .
[27]  إدوارد لين ( 17 أيلول 1801 – 10 آب 1876) مستشرق و مترجم و معجمي بريطاني ، درس العربية و عاش في مصر كاتبا عنها هو و أخته  كتابين ، و ترجم ألف ليلة و ليلة إلى الإنكليزية .
[28]  يتطلب منا المثال الذي يقدمه كل من لين و فتزجيرالد إعادة تعريف المترجم و دوره. فالتعريف السائد عن المترجم هو انه الناقل الأمين لنص من لغة و ثقافة معينة إلى لغة و ثقافة أخرى، و هو الوسيط إذا ما اعتور عملية النقل أية مصاعب. و إن العلاقة التي تربط المترجم بمؤلف النص الأصل هي علاقة مشاركة وجدانية و تفاهم و انسجام لا علاقة اغتصاب و انتقاص، و إن المرام و الأهداف نبيلة المنشأ و النهاية. الترجمة لا يمكن إلا أن تكون ترجمة و ما عداها شيء آخر. فالمترجم و عمله شيء و الدليل العامل مع قوات الاحتلال لبلد ما شيء آخر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق