الاثنين، 24 يناير 2011

كاظم الحجاج و الترجمة...و أشياء أخرى

بقلم : كاظم العلي 


 في معرض محاضرته بمهرجان المربد لعام 2010 عن ترجمة قصائد للشاعر المبدع كاظم الحجاج إلى الإنكليزية نشرت في مجلتين بريطانية (   The Naked Punch) و أمريكية (  Metamorphosis  )    قام بها كل من كاظم العلي و عادل الثامري تساءل أستاذ اللسانيات و الترجمة الدكتور مجيد الماشطة : "هل يجب أن نُصَّدر منجزنا الإبداعي إلى العالم عن طريق ترجمته؟و إنما أقبلت الأمم المختلفة على ترجمة شيكسبير إلى لغاتها المختلفة برغبة و جهد و تصميم من لدن القائمين على الثقافة و الإبداع في تلك الأمم، و لم تتدخل الهيئات و المؤسسات الثقافية و الأدبية في بريطانيا في تلك الرغبات و الجهود".انتهى تساؤل الأستاذ الماشطة، أو استنكاره لما قام به المترجمان.و أرى أن تساؤل الماشطة ، الذي لا يحمل نيات سيئة، تعوزه الدقة من نواح عديدة. فلقد حكمت الترجمة على الدوام علاقة غير مقبولة الآن في ظل مفاهيم الاستقلال و الهوية الوطنية و منع الاستلاب الثقافي ،  و لكننا قبلناها و نقبلها  قدر تعلقها بماضي العرب و المسلمين، و تتلخص هذه العلاقة بنزوع " الصبي" اليافع و قليل التجربة العلمية و الثقافية والأدبية الكبير إلى ترجمة " السيد" و المتفوق و المتقدم و صاحب التجربة العلمية و الثقافية و الأدبية. و مما لا شك فيه ان الغرب و أوربا أقبلت بنهم على ترجمة علومنا و آدابنا و منجزنا الحضاري حين كنا أسياد العلوم و الثقافة و الأدب و لا تزال آثار ذلك شاخصة في المفردات الإنكليزية العربية الأصل الموجودة في المعاجم الأنكليزية، و كان ذاك حين كانت تغط أوربا في مجاهل الظلام و الهمجية حتى قال المستشرق الانكليزي نيكلسن  " لقد كان العرب رواد المعرفة و حاملي مشاعل النور إلى أوربا " و جي سي ثورنلي " عمل العلماء العرب بجد بينما كانت بقية العالم تغط في سبات عميق". إن منجزنا الإبداعي و الأدبي الحالي غني من دون شك و هو يرتكز على قاعدة ضاربة الجذور من المنجز الإبداعي شعرا و نثراً، لكننا كنا و لا نزال  أيضا بحاجة إلى اليوت و  ستويل و باوند و آراغون و جاك بريفيه  ووالت وتمان و  ناظم حكمت و نيرودا و آخرين شعراً ، و إلى همنغوي و فرجينيا وولف و ماريا ريمارك و ماركيز و تولستوي و دويستوفسكي و غوركي و آخرين قصةً. و هكذا أقبلنا ، مثلما أقبلت أمم أخرى ، على ترجمة شيكسبير.فالتجربة الإنسانية تكمل بعضها بعضا. و القول بأن ليس للهيئات و المؤسسات الثقافية  الإنكليزية ، على سبيل المثال، دور في تنمية الإقبال على شيكسبير لغة و إبداعاً قول مغلوط و كلنا يعلم علم اليقين دور المجلس الثقافي البريطاني و جهوده الجبارة في نشر اللغة الإنكليزية و  آدابها من شعر و قصة و مسرحية.

الأدب العربي أدب محاصر كما قال ادوارد سعيد في مقالته المنشورة عام 1991 بصحيفة  The Nation  ، و أضيف إلى ذلك بأن الأبواب لا تفتح في الغرب الآن سوى لما يُفَكّكُ أو ينتقد المنظومة القيمية الكلاسية للمجتمعين العربي و الإسلامي و خذ مثلاً روايتي "بنات الرياض" و "عمارة يعقوبيان"،  إلا انه برغم الحصار المفروض على الأدب العربي هنالك شخصيات و هيئات و مجلات أدبية تحاول مشكورة ان تتعرف و تُعّرف الآخرين بالأدب العربي و رموزه و منها المجلتين المذكورتين آنفاً. و علينا سواء كنا مترجمين أو هيئات و منظمات حكومية أن نُعمل معاولنا لهدم ذلك الجدار و الحصار بتصدير بضاعتنا الجيدة من منجزات ثقافية و أدبية.

و ذكرتُ في أصبوحة شعرية للشاعر كاظم الحجاج بمناسبة الذكرى السادسة و الأربعين لتأسيس جامعة البصرة أن مقولة الشاعر الأمريكي روبرت فروست "الشعر هو ما نفقده في الترجمة" التي صارت الآن مثلاً صعب التحليل و التفكيك بأننا لم نفقد في ترجمة كاظم الحجاج أي شيء وذلك لعذوبة كاظم الحجاج و شعره، و لأن كاظم الحجاج قد كتب مجموعة القصائد التي ترجمناها بحس و وعي بالترجمة . و أعترض أحدهم على ذلك لأنه لم يستطع أن يتجاوز الأثر الكبير لمقولة فروست. و لم يكن فروست إلا شاعراً قد خلت من قبله الشعراء، و لم تكن مقولته إلا كسائر المقولات  الأخرى ، مثل مقولة الجاحظ في ترجمة الشعر، كونها نتاج ظرفها الزماني و المكاني و النفسي ، و هي على كل حال لا يمكن أن تكون حقيقة مطلقة مثلما هي حقيقة المقولة بأن "الماء سائل شفاف عديم اللون و الطعم و الرائحة". و فروست و غيره ممن يؤمنون بمقولة الخسارة في الترجمة و استحالة الترجمة ينطلقون في مقولاتهم بالأساس من منطلقات لغوية صرفة و من منطلقات التكافؤ الشكلي لا الداينمي.ويفوتهم أيضا ان يدركوا أنه لولا ترجمات عبد الواحد لؤلؤة و سعدي يوسف و السياب و  فطينة النائب و طائفة كبيرة أخرى من المترجمين للشعر العالمي لظلت تجربتنا الشعرية خصوصا  و الإنسانية عموما تجربة منقوصة .  و حينما أقول ان الحجاج قد كتب تلك القصائد التي ترجمناها بوعي و حس ترجمي، فأعني بذلك أن الشاعر كان يضع نصب عينه المتلقي الأجنبي فابتعد بقصيدته عن القصيدة العربية التقليدية شكلاً و مضموناً، إذ كتبت القصائد على غرار قصائد الهايكو اليابانية و ليس على شاكلة المعلقات العربية محتفظاً بموسيقى القصيدة و صورتها القوية التأثير.

نشرت بموقع النور في 2/5/2010


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق